فصل: باب صدقة الماشية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيه

543- ذكر فيه مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة‏.‏

544- وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه انه قال كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة‏.‏

545- وأنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تعطي أموال اليتامى الذين في حجرها من يتجر لهم فيها قال أبو عمر روي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر والحسن بن علي وجابر أن الزكاة واجبة في مال اليتيم كما رواه مالك عن عمر وعائشة وقال بقولهم من التابعين عطاء وجابر بن زيد ومجاهد وبن سيرين وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما والحسن بن حي والليث بن سعد وإليه ذهب أبو ثور وأحمد بن حنبل وجماعة وذكر أحمد قال حدثنا وكيع قال حدثنا القاسم بن فضل الحراني عن معاوية بن قرة عن الحكم بن أبي العاص الثقفي قال قال عمر لو عندي مال يتيم قد كادت الصدقة أن تأتي عليه وذكر عن القطان عن حسين المعلم عن مكحول عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن عمر ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة قال أحمد أخبرنا يزيد بن هارون عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أنه كان يزكي مال اليتيم قال‏.‏

وحدثنا بن مهدي عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن بن لأبي رافع قال باع لنا علي أرضا ثمانين ألفا ثم أعطاناها فإذا هي تنقص فقال إني كنت أزكيها وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في الذي يلي مال اليتيم قال يعطي زكاته قال أبو عمر فهذا من طريق الإتباع‏.‏

وأما من طريق النظر والقياس على ما أجمع علماء المسلمين عليه من زكاة ما تخرجه أرض اليتيم من الزرع والثمار وهو مما لا يختلف فيه حجازي ولا عراقي من العلماء وقد أجمعوا أيضا أن في مال من لم يبلغ ولم تجب عليه صلاة أرش ما يجنيه من الجنايات وقيمة ما يتلفه من المتلفات وأجمعوا على أن الحائض والذي يجن أحيانا لا يراعى لهم مقدار أيام الحيض والجنون من الحول وهذا كله دليل على أن الزكاة حق المال ليست كالصلاة التي هي حق البدن فإنها تجب على من تجب عليه الصلاة وعلى من لا تجب عليه وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا زكاة في مال يتيم ولا صغير إلا فيما تخرج أرضه من حب أو تمر وهو قول جمهور أهل العراق وإليه ذهب الأوزاعي إلا أن الأوزاعي والثوري قالا إذا بلغ اليتيم فادفع إليه ماله وأعلمه بما وجب عليه لله فإن شاء زكى وأن شاء ترك قال أبو عمر هذا ضعيف من القول وقال بن أبي ليلى في أموال اليتامى الزكاة وأن أداها عنهم الوصي غرم وهذا أيضا في الموصي المأمون أضعف مما مضى وقال بن شبرمة لا زكاة في مال اليتيم الذهب والفضة‏.‏

وأما الماشية وما أخرجت أرضه ففي ذلك الزكاة وهذا أيضا تحكم إلا أن الشبهة فيه ما كان السعاة يأخذونه عاما ومدار المسألة على قولين قول أهل الحجاز بإيجاب الزكاة في أموال اليتامى وقول أبي حنيفة ومن تابعه أن لا زكاة في أموالهم إلا ما تخرجه الأرض زعم الطحاوي أن الفرق بين ما تخرجه أرض الصغير وبين سائر ماله أن الزكاة حق طارئ على ملك ثابت للمالك قبل وجوب الحق فهو طهرة والزكاة لا تلزم إلا من تلحقه الطهارة والركاز وثمرة النخل والزرع لحدوثها يجب حق الزكاة فيها فلا يملكها مالكها إلا وهو حق واجب للمساكين فصار كالشركة فاستوى فيه حق الصغير والكبير قال أبو عمر محال أن تجب الصدقة إلا على ملك فكيف لا يملك ما يخرج من الأرض حتى وجبت فيه الزكاة ومعلوم أن الزكاة إنما وجبت فيما أخرجته الأرض على ملك أصل ما زرع وما أخرجته ولا فرق بين ذلك وبين سائر ما تجب فيه الزكاة من ماله إلا حيث فرقت السنة من مرور الحول فهذا هو الصحيح وما خالف هذا فلا وجه له ولا معنى يصح والله أعلم وقد أجمعوا أنه مالك له إذا حل بيعه فإنما قبل حصاده والله عز وجل يقول ‏(‏وءاتوا حقه يوم حصاده‏)‏ ‏[‏الأنعام 141‏]‏‏.‏

وكذلك لا معنى لتشبيهه بالركاز لأن الركاز لا تجري مجرى الصدقة إنما تجري مجرى الفيء وبنفس الغنيمة يجب الخمس فيها لمن سمى الله عز وجل وأحسن ما يحتج به لهم والله أعلم أن من وجبت عليه الصدقة مأمور بأدائها والطفل غير جائز أن يتوجه إليه خطاب بأمر أو نهي لأنه غير مكلف لكن الإجماع فيما تخرجه أرضه يدل على أن حكم الزكاة في ماله ليس كحكم ما يلزمه في بدنه من الفرائض والله أعلم وممن قال بأن لا زكاة في مال اليتيم ولا الصغير أبو وائل وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي والحسن البصري وسعيد بن جبير‏.‏

باب زكاة الميراث

546- مالك أنه قال إن الرجل إذا هلك ولم يؤد زكاة ماله إني أرى أن يؤخذ ذلك من ثلث ماله ولا يجاوز بها الثلث وتبدى على الوصايا وأراها بمنزلة الدين عليه فلذلك رأيت أن تبدى على الوصايا قال وذلك إذا أوصى بها الميت قال فإن لم يوص بذلك الميت ففعل ذلك أهله فذلك حسن وإن لم يفعل ذلك أهله لم يلزمهم ذلك قال أبو عمر إنما يؤخذ من ثلث ماله إذا أوصى بها لأنه لو جعلها كالدين من جميع المال لم يشأ رجل أن يحرم وارثه ماله كله ويمنعه منه لعداوته له إلا منعه بأن يقر على نفسه من الزكاة الواجبة عليه في سائر عمره بما يستغرق ماله جميعا فمنع من ذلك وجعل ما أوصى به لا يتعدى ثلثه على سنة الوصايا ورأى أن يبتدأ بها على سائر الوصايا تأكيدا لها وخوفا أن لا يحل الثلث جميع وصاياه وقد قال إن المدبر في الصحة تبدى عليها وقال بعض أصحابنا وصداق المريض يبدى أيضا وسيأتي هذا المعنى في الوصايا إن شاء الله‏.‏

وأما قوله وأراها بمنزلة الدين فكلام ليس على ظاهره لأن الدين عنده وعند العلماء من رأس مال الميت ولا ميراث ولا وصية إلا بعد أداء الدين وهذا أمر مجتمع عليه وإنما أراد أن الزكاة تبدى على الوصايا بمنزلة تبديه الدين عليها وعلى غيرها من الوصايا ولو كان عنده أمرا لأشكل فلذلك لم يحصل فيه لفظه والله أعلم وما استحسنه للورثة إن لم يوص الميت بزكاة ماله فمستحسن عند غيره ممن لا يرى الزكاة من رأس المال وذكر بن وهب عن يونس عن ربيعة فيمن مات وعليه زكاة ماله أنها لا تؤخذ من ماله وعليه ما تحمل وروي عن مالك فيمن مات ولم يفرط في إخراج زكاة ماله ثم صح أنه لم يخرجها أنها بمنزلة الدين تأخذ من رأس ماله‏.‏

وقال الشافعي الزكاة يبدأ بها قبل ديون الناس ثم يقسم ما له بين غرمائه لأن من وجبت في ماله زكاة فليس له أن يحدث في ماله شيء حتى تخرج الزكاة وله التصرف في ماله وإن كان عليه دين ما لم يوقف الحاكم ماله للغرماء قال أبو ثور الزكاة بمنزلة الدين وهو قول أحمد بن حنبل وجماعة من التابعين قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن رجل أوصى بالثلث فنظر الوصي فإذا الرجل لم يعط الزكاة قال يخرج الزكاة ثم يخرج الثلث‏.‏

وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا فيمن أوصى بزكاة ماله وبحج وكفارات أيمان أنه يبدأ بالزكاة إن قصر الثلث عن وصاياه ثم بالحج للفرض ثم بالكفارة قالوا ولو أوصى بشيء من القرب زكاة أو حج أو غير ذلك وأوصى لقوم بأعيانهم بدئ بالذين أوصى لهم بأعيانهم‏.‏

وقال مالك السنة عندنا أنه لا تجب على وارث في مال ورثه الزكاة حتى يحول عليه الحول قال أبو عمر هو إجماع من جماعة فقهاء المسلمين فالحديث فيه مأثور عن علي وبن عمر أنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول وقد رفع بعضهم حديث بن عمر ولا خلاف في هذا بين جماعة العلماء إلا ما جاء عن بن عباس وأبي معاوية بما قد ذكرناه في صدر هذا الكتاب ولم يخرج أحد من الفقهاء عليه ولا التفت إليه قال مالك إنه لا يجب على وارث زكاة في مال ورثه في دين ولا عرض ولا دار ولا عبد ولا وليدة حتى يحول على ثمن ما باع من ذلك أو اقتضى الحول من يوم باعه وقبضه قال أبو حنيفة لا يزكي الوارث الدين حتى يقبضه كقول مالك‏.‏

وقال الشافعي الوارث كالمورث في الدين يعتبر فيها الحول من يوم ورثه وأمكنه أخذه ممن هو عليه فإن تركه وهو قادر على أخذه زكاة كما مضى إذا قبضه‏.‏

باب الزكاة في الدين

547- مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان كان يقول هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة‏.‏

548- وروى مالك عن يزيد بن خصيفة أنه سأل سليمان بن يسار عن رجل له مال وعليه دين مثله أعليه زكاة فقال لا قال أبو عمر قول عثمان بن عفان رضي الله عنه يدل على أن الدين يمنع من زكاة العين وأنه لا تجب الزكاة على من غلبه دين وبه قال سليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وميمون بن مهران والثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو قول مالك إلا أن مالكا يقول إن كان عند من عليه الدين من العروض ما يفي بدينه لزمته الزكاة فيما بين يديه من الدين وللشافعي في هذه المسألة قولان معروفان أحدهما أن لا يلتفت إلى الدين في الزكاة وأنه يوجب عليه الزكاة وإن أحاط الدين بماله لأن الدين في ذمته والزكاة في عين ما بيده والقول الآخر أن الدين إذا ثبت لم يزك أموال التجارة إذا أحاط الدين بها إلا أنه لا يجعل الدين في شيء من العروض قال الشافعي لا يجعل دينه في العروض وإنما جعله في عين إن كان له وكان قادما عليه لأن العروض لما لم تجب في عينها الزكاة لم توجب زكاة ومرة وجبت عليه الزكاة وهو قول ربيعة وحماد بن أبي سليمان‏.‏

وقال أبو حنيفة الدين يمنع الزكاة ويجعل في الدنانير وعروض التجارة فإن فضل كان في السائمة ولا يجعل في عبد الخدمة ولا دار السكنى إلا إذا فضل عن ذلك وهو قول الثوري أنه لا يمنع الزكاة وتجعل في الدراهم دون خادم لغير التجارة‏.‏

وقال مالك الدين لا يمنع زكاة السائمة ولا عشر الأرض ويمنع زكاة الدراهم والدنانير وصدقة الفطر في العيد هذه رواية بن القاسم عنه وقال بن وهب عن مالك كما ذكر في الموطإ ولم يذكر صدقة الفطر وقال الأوزاعي الدين يمنع الزكاة ولا يمنع عشر الأرض وقال بن أبي ليلى والحسن بن حي الدين لا يمنع الزكاة وقال زفر يمنع الزكاة إلا أنه يجعله فيما بيده من جنسه فإن كان الدين طعاما وفي يده طعام للتجارة أو غيرها وله دراهم جعل الدين بالطعام دون الدراهم‏.‏

وقال الشافعي إذا كان له مائتي درهم وعليه مثلها فاستعدى عليه صاحب الدين السلطان قبل الحول فلم يقض عليه بالدين حتى حال الحول أخرج زكاتها ثم قضى غرماءه بقيتها ولو قضى عليه بالدين وجعل لغرمائه ماله حيث وجدوه قبل الحول ثم حال عليه الحول قبل أن يقضيه الغرماء لم يكن عليه زكاة‏.‏

549- مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني أن عمر بن عبد العزيز كتب في مال قبضة بعض الولاة ظلما يأمر برده إلى أهله ويؤخذ زكاته لما مضى من السنين ثم عقب بعد ذلك بكتاب أن لا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة فإنه كان ضمارا قال أبو عمر الضمار الغائب عن صاحبه الذي لا يقدر على أخذه أو لا يعرف موضعه ولا يرجوه وقد روى سفيان بن عيينة هذا الخبر وفسر فيه الضمار وذكره بن أبي عمر وغيره عن بن عيينة عن عمرو بن ميمون قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى ميمون بن مهران أن انظر أموال بني عائشة التي كان أخذها الوليد بن عبد الملك فردها عليهم وخذ زكاتها لما مضى من السنين قال ثم أردفه بكتاب آخر لا تأخذ منها إلا زكاة واحدة فإنه كان مالا ضمارا والضمار الذي لا يدري صاحبه أيخرج أم لا قال أبو عمر هذا التفسير جاء في الحديث وهو عندهم أصح وأولى واختلف العلماء في زكاة المال الطارئ وهو الضمار ف قال مالك وآخر قول عمر بن عبد العزيز أنه ليس عليه فيه إلا زكاة واحدة إذا وجده أو قدر عليه أو قبضه وقال الليث لا زكاة عليه فيه ويستأنف به حولا وقال الكوفيون إذا غصب المال غاصب وجحده سنين ولا بينة له أو ضاع منه في مفازة أو طريق أو دفنه في صحراء فلم يقف على موضعه ثم وجده بعد سنين فلا زكاة عليه فيه لما مضى ويستأنف به حولا وقال الثوري وزفر عليه فيه الزكاة لما مضى وللشافعي فيه قولان أحدهما أنه يجب عليه فيه الزكاة لما مضى والآخر أنه لا تجب عليه فيه الزكاة ويستأنف به حولا قال أبو عمر أما مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ فإنه أوجب فيه زكاة واحدة قياسا على مذهبه في الدين وفي العرض للتجارة إذا لم يكن صاحبه مدبرا وقد قال كقول مالك في ذلك عطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي كل هؤلاء يقولون ليس عليه فيه إلا زكاة واحدة‏.‏

وأما من قال لا زكاة عليه فيه لما مضى فإنه عنده لما لم يطلق يده عليه ولا تصرف فيه جعلوه كالمال المستعار الطارئ‏.‏

وأما من أوجب فيه الزكاة لما مضى من السنين فلأنه على ملكه ويثاب عنه ويؤجر فيه إن ذهب قال أبو عمر أما القياس فإن كل ما استقر في ذمة غير المالك فهذا لا زكاة على مالكه فيه وكذلك الغريم الجاحد للدين وكل ذي ذمة فإنه لا يلزم صاحب المال أن يزكي على ما في ذمة غيره غاصبا كان له أو غير غاصب‏.‏

وأما ما كان مدفونا في موضع يصيبه صاحبه أو غير مدفون وليس في ذمة أحد أو كان لقطة فالواجب عندي على ربه أن يزكيه إذا وجده لما مضى من السنين فإنه على ملكه وليس في ذمة غيره إلا أن يكون الملتقط قد استهلكه وصار في ذمته وهذا قول سحنون ومحمد بن مسلمة والمغيرة ورواية عن بن القاسم قال أبو عمر قد بين مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ مذهبه في الدين في هذا الباب من موطئه وأشار إلى الحجة لمذهبه بعض الإشارة والدين عنده والعروض لغير المدبر باب واحد ولم ير في ذلك إلا زكاة واحدة لما ما مضى من الأعوام تأسيا بعمر بن عبد العزيز في المال الضمار لأنه قضى أنه لا زكاة فيه إلا لعام واحد والدين الغائب عنده كالضمار لأن الأصل في الضمار ما غاب عن صاحبه والعروض عنده لمن لا يدبر وعند بعض أصحابه لمن يدبر إذا كان عليه حكمه حكم الدين المذكور وليس لهذا المذهب في النظر كبير حظ إلا ما يعارضه من النظر ما هو أقوى منه والذي عليه غيره من الدين أنه إذا كان قادرا على أخذه فهو كالوديعة يزكيه لكل عام لأن تركه له وهو قادر على أخذه كتركه له في بيته وما لم يكن قادرا على أخذه فقد مضى في هذا الباب ما للعلماء في ذلك والاحتياط في هذا أولى والله الموفق للصواب وهو حسبي ونعم الوكيل‏.‏

باب زكاة العروض

550- مالك عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حيان وكان زريق على جواز مصر في زمان الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا ومن مر بك من أهل الذمة يمما يديرون من التجارات من كل عشرين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول قال أبو عمر معلوم عند جماعة العلماء أن عمر بن عبد العزيز كان لا ينفذ كتابا ولا يأمر بأمر ولا يقضي بقضية إلا عن رأي العلماء الجلة ومشاورتهم والصدر عما يجمعون عليه ويذهبون إليه ويرونه من السنن المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه المهتدين بهديه المقتدين بسنته وما كان ليحدث في دين الله ما لم يأذن الله له به مع دينه وفضله وفي حديثه هذا الأخذ من التجارات في العروض المدارات بأيدي الناس والتجار الزكاة كل عام ولم يعتبر من نض له شيء من العين في حوله ممن لم ينض ولو كان ذلك من شرط زكاة التجارات لكتب به وأوضحه ولم يهمله ومعلوم أن الإدارة في التجارة لا تكون إلا بوضع الدراهم والدنانير في العروض وابتغاء الربح وهذا من أبين شيء في زكاة العروض ولذلك صدر به مالك هذا الباب وقد روي عن عمر بن الخطاب ما يدل على أن عمر بن عبد العزيز طريقه سلك في ذلك ومذهبه أمثل ذكر عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن أنس بن سيرين قال بعثني أنس بن مالك على الأبلة فقلت له تبعثني على شر عملك فأخرج إلي كتابا من عمر بن الخطاب خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما درهما ومن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما وقال‏.‏

وأخبرني الثوري ومعمر عن أيوب عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب مثله قال أبو عمر ليس في كتاب عمر بن الخطاب أن يكتب للذمي بأخذ ما يأخذ منه كتابا إلى الحول وذلك يدل على ما ذهب إليه مالك أنه يؤخذ من الذمي كلما تجر من بلده إلى غير بلده وسنذكر ما للعلماء في ذلك إن شاء الله وروي عن بن المديني قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال كتب عمر بن الخطاب إلى عامل الأبلة وكان كتب إليه إنه يمر بنا التاجر المسلم والمعاهد والتاجر يقدم من أرض الحرب فكتب إليه عمر خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ثم اكتب له براءة إلى آخر السنة وخذ من التاجر المعاهد من كل عشرين درهما درهما وانظر تجار الحرب فخذ منهم ما يأخذون من تجاركم ألا تراه شرط البراءة رأس الحول على المسلم وحده لأنه لا زكاة على المسلم في تجارة ولا ماشية عين ولا حتى يحول الحول وفي حديث عمر بن عبد العزيز أيضا من الفقه أن للأئمة أخذ زكاة الدراهم والدنانير كما لهم أخذ زكاة الماشية وعشر الأرض‏.‏

وأما اشتراطه في النقصان ثلث دينار فذلك رأي واستحسان غير لازم وهو يعارض قول مالك ناقص بين النقصان على ما قد مضى في هذا الكتاب والله الموفق للصواب والأخذ عندي بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق صدقة أو فيما صح أنه دون ذلك قليلا كان أو كثيرا فإذا صح في الورق انه دون خمس أواق والأوقية أربعون درهما فإن قل منها شيء فلا زكاة فيه وكذلك الذهب ليس في أقل من عشرين دينارا زكاة‏.‏

وأما قول عمر بن عبد العزيز ومن مر بك من أهل الذمة إلى آخر كلامه ذلك فإنه راعى في الذمي نصابا جعله مثل نصاب المسلم وأخذ منه أيضا عند رأس الحول مثل ما يؤخذ من المسلم مرة واحدة في الحول لا غير وقد خالفه في ذلك أكثر أهل العلم وكان مالك يقول في الذمي إذا خرج بمتاع إلى المدينة من بلده فباع بأقل من مائتي درهم فإنه يؤخذ منه العشر مما قل أو كثر ولا يؤخذ منه شيء حتى يبيع فإن رد متاعه ولم يبع لم يؤخذ منه شيء ولا يعتبر فيه النصاب قال مالك وإن اشترى في البلد الذي دخله بمال يأمن معه أخذ منه العشر مكانه من السلعة التي اشترى فإن باع بعد واشترى لم يؤخذ منه شيء فإن قام سنين في ذلك البلد يبيع ويشتري لم يكن عليه شيء قال مالك في النصراني إذا تجر في بلده ولم يخرج منه لم يؤخذ منه شيء قال ويؤخذ من عبيد أهل الذمة كما يؤخذ من ساداتهم وقال الثوري إذا مر الذمي بشيء للتجارة أخذ منه نصف العشر إن كان يبلغ مائتي درهم وإن كان أقل من ذلك فليس عليه شيء هذه رواية الأشجعي عنه وروى عنه أبو أسامة أنه يؤخذ منه من كل مائة درهم خمسة دراهم إلى الخمسين فإن نقصت من الخمسين لم يؤخذ منه شيء وقال الأوزاعي في النصراني إذا اتجر بماله في غير بلده أخذ منه حق ماله عشرا كان أو نصف عشر وإن أقام بتجارته لا يخرج ببيع ويشتري لم يؤخذ منه شيء وإنما عليه جزيته‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه ليس على أهل المدينة في أموالهم شيء إلا ما اختلفوا فيه من تجاراتهم فإنه يؤخذ منهم نصف العشر فيما يؤخذ فيه من المسلم ربع العشر وذلك إذا كان مع التاجر منهم مائتي درهم فصاعدا قالوا وإذا أخذ منه لم يؤخذ منه غيره لذلك الحول ويؤخذ من الحربي العشر إلا أن يكون أهل الحرب يأخذون منا أقل فيؤخذ منهم مثل ما أخذوا منا وإن لم يأخذوا منا لم نأخذ منهم شيئا قالوا ويؤخذ من المسلم ربع العشر زكاة ماله الواجبة عليه وقول الحسن بن صالح كقول أبي حنيفة في اعتبار النصاب والحول والمقدار في الذمي والحربي والمسلم‏.‏

وقال الشافعي يؤخذ من الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر ومن المسلم ربع العشر اتباعا لعمر بن الخطاب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ قال الشافعي ولا يترك أهل الحرب يدخلون إلينا إلا بأمان ويشترط عليهم أن يؤخذ منهم العشر أو أقل أو أكثر لم يكن عليهم شرط لم يؤخذ منهم شيء سواء كانوا يعشرون المسلمين أم لا قال أبو عمر أما قول الشافعي إن لم يشترط عليه في حين دخوله وعقد الأمان له لم يؤخذ منه شيء فوجه ذلك أن الأمان يحقن الدم والمال فإذا لم يشترط على المستأمن أن لا يؤمن في دخوله إلينا إلا بأن يؤخذ منه لم يكن عليه شيء ويكره الشافعي أن يؤمن أحد من أهل الحرب إلا بعد الشرط عليه بأن لا يخالف سنة محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك‏.‏

وأما مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ فإن مذهبه يدل على أن سنة عمر قد كانت فشت عندهم وعرفوها كما فشت دعوة الإسلام فأغنى ذلك عن الاشتراط وما أعلم لأهل العلم بالحجاز والعراق علة في الأخذ من تجار الحرب إلا فعل عمر ‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ وكذلك كبار أهل العلم والله أعلم وإنما خالف مالك عمر بن عبد العزيز في هذا الباب لما رواه عن الزهري عن السائب بن يزيد قال كنت عاملا مع عبد الله بن عيينة على سوق المدينة في زمن عمر بن الخطاب فكان يأخذ من النبط العشر رأى مالك قول عمر بن الخطاب أعلى من قول عمر بن عبد العزيز فمال إليه فأخذ العشر من الذمي وستأتي معاني هذا الباب في باب عشور أهل الذمة إن شاء الله‏.‏

وأما قول عمر بن عبد العزيز واكتب لهم كتابا بما تأخذ منهم إلى مثله من الحول فهذا هو الحق عند جماعة أهل العلم لأن المسلم لا يلزمه الزكاة إلا مرة واحدة في الحول ولم يختلفوا أن السنة في الإمامة أن يكون الإمام واحدا في أقطار الإسلام ويكون أمراؤه في كل أفق يتخيرهم ويتفقد أمورهم وإذا كان على الجواز عاملا للإمام يأخذ من التاجر المسلم زكاة ماله فعليه أن يكتب لهم بذلك كتابا يستظهر به في ذلك العام عند غيره من العمال الطالبين للزكاة من المسلمين ويقطع بذلك مذهب من رأى تحليفهم أنهم قد أدوا ولم يحل على ما بأيديهم الحول ويجمع تلك العلة بالكتاب لهم وقد أجمع العلماء على أنه مصدق فيما يدعيه من نقصان الحول إذا قال لهم لم أستفد هذا المال إلا منذ أشهر ولم يحل علي فيه حول وكذلك إذا قال قد أديت لم يحلف إلا أن يتهم ومن ذهب إلى أن الذمي لا يؤخذ منه في الحول إلا مرة واحدة وجب على مذهبه الكتاب لهم بذلك أيضا ومن قال يؤخذ من الذمي كلما اتجر فلا حاجة به إلى كتاب واختلف الفقهاء إذا قال المسلم قد أديت زكاة مالي إلى المساكين فقال مالك إن كان الإمام يضعها موضعها فلا يحل لأحد أن يقسمها حتى يدفعها إليه وإن كان لا يضعها موضعها قسمها هو‏.‏

وقال الشافعي ببغداد ليس لأحد أن يؤديها إلى أهلها دون السلطان فإن فعل فللسلطان أخذها منه وقياس قوله المصري أنه إذا قال أديتها كان مصدقا ولم يجز أن تؤخذ منه ويصدق في ذلك كما يصدق في الحول أنه لم يحل عليه‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يقبل السلطان قوله وقد أجزت عنه قال مالك الأمر عندنا فيما يدار من العروض للتجارات إلى آخر كلامه في ذلك من موطئه قال أبو عمر مذهب مالك وأصحابه أن التجارة تنقسم عندهم قسمين أحدهما رجل يبتاع السلع في حين رخصها ويرتاد نفاقها فيأتي عليه في ذلك العام والأعوام ولم يبع تلك السلعة وقد نوى التجارة بها أنه لا زكاة عليه فيما اشترى من العروض حتى يبيعها فإذا باعها بعد أعوام لم يكن عليه أن يزكي إلا لعام واحد كالدين الذي يقتضيه صاحبه وقد غاب عنه ومكث أعواما عند الذي كان عليه أنه لا يزكيه إلا لعام واحد وروي مثل قول مالك في ذلك عن الشعبي وعمرو بن دينار وعبد الكريم بن أبي المخارق والذين قالوا في الدين أنه لا يزكيه إذا قبضه إلا لعام واحد منهم عطاء الخرساني وهو مذهب عمر بن عبد العزيز في المال الضمار وهو المحبوس عن صاحبه والآخر هو الذين يسمونه المدير وهم أصحاب الحوانيت بالأسواق الذين يبتاعون السلع ويبيعون في كل يوم ما أمكنهم بيعه بما أمكن من قليل الناض وكثيره ويشترون من جهة ويبيعون من جهة أخرى فهؤلاء إذا حال الحول عليهم من يوم ابتدؤوا تجارتهم قدموا ما بأيديهم من العروض في رأس الحول فيضمون إلى ذلك ما بأيديهم من العين ويزكون الجميع بعينه ثم يستأنفون حولا من يوم زكوه قال مالك وما كان من مال عند رجل يديره للتجارة ولا ينض لصاحبه منه شيء تجب عليه فيه الزكاة فإنه يجعل له شهرا من السنة يقوم فيه ما كان عنده من عرض للتجارة ويحصى فيه ما كان عنده من نقد أو عين فإذا بلغ ذلك كله ما تجب فيه الزكاة فإنه يزكيه وقد اختلف أصحاب مالك في المدير المذكور لا ينض له في حوله شيء من الذهب ولا من الورق فقال بن القاسم إن نض له في عامه ولو درهم واحد فما فوقه قوم عروضه كلها وأخرج الزكاة وإن لم ينض له شيء وإنما باع عامه كله العروض بالعروض لم يلزمه تقويم ولم تجب عليه لذلك زكاة ورواه عن مالك وهو معنى ما ذكره بن عبد الحكم عنه ورواه بن وهب عن مالك بمعنى ما رواه بن القاسم وذكر مالك عن مطرف وبن الماجشون عن مالك أنه قال على المدير أن يقوم عروضه في رأس الحول ويخرج زكاة ذلك نض له في عامه شيء أم لم ينض قال أبو عمر هذا هو القياس ولا أعلم أصلا يعضد قول من قال لا يعدل التاجر عروضه حتى ينض له شيء من الورق أو الذهب أو حتى ينض له نصاب كما قال نافع لأن العروض المشتراة بالورق والذهب للتجارة لو لم تقم مقامها لوضعها فيها للتجارة ما وجبت فيها زكاة أبدا لأن الزكاة لا تجب فيها لعينها إذا كانت لغير التجارة بإجماع علماء الأمة وإنما وجب تقويمها عندهم للمتاجر بها لأنها كالعين الموضوعة فيها التجارة وإذا كانت كذلك فلا معنى لمراعاة ما نض من العين قليلا كان أو كثيرا ولو كانت جنسا آخر ما وجبت فيها زكاة من اجل غيرها وإنما صارت كالعين لأن النماء لا يطلب بالعين إلا هكذا وهو قول جماعة الفقهاء بالعراق والحجاز قال الشافعي من اشترى عرضا للتجارة حال عليه الحول من يوم ابتاعه للتجارة فعليه أن يقومه بالأغلب من نقد بلده دنانير كانت أو دراهم ثم يخرج زكاته من الذي قومه به إذا بلغت قيمته ما يجب فيه الزكاة وهذه سبيل كل عرض أريد به التجارة وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقول الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد والطبري والمدير عندهم وغير المدير سواء وكلهم تاجر مدير يطلب الربح بما يضعه من العين في العروض‏.‏

وأما داود بن علي فإنه شذ عن جماعة الفقهاء فلم ير الزكاة فيها على حال اشتريت للتجارة أو لم تشتر للتجارة واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة قال ولم يقل إلا أن ينوي فيها التجارة وزعم أن الاختلاف في زكاة العروض موجود بين العلماء فلذلك نزع بما نزع من دليل عموم السنة وذكر عن عائشة وبن عباس وعطاء وعمرو بن دينار أنهم قالوا لا زكاة في العروض قال أبو عمر هذا - لعمري - موجود عن هؤلاء وعن غيرهم محفوظ أنه لا زكاة في العروض ولا زكاة إلا في العين والحرث والماشية وليس هذا عن واحد منهم على زكاة التجارات وإنما هذا عندهم على زكاة العروض المقتناة لغير التجارة وما أعلم أحدا روي عنه أنه لا زكاة في العروض للتجارة حتى تباع إلا بن عباس على اختلاف عنه وذكر داود عن مالك أنه قال لا أرى الزكاة في العروض على التاجر الذي يبيع العرض بالعرض ولا ينض له شيء ولا على من بارت عليه سلعته اشتراها للتجارة حتى يبيع تلك السلعة وينض ثمنها بيده قال أبو عمر لو كان في قول مالك هذا له حجة في إسقاط الزكاة فيما بأيديهم من العروض للتجارة لكان في قول مالك أنه يقوم العروض ويزكيها إدا نض له أقل شيء حجة عليه وقول مالك أنه يزكي العرض إذا باعه غير المدير ساعة يبيعه دليل على أنه يرى فيه الزكاة إذا لم يستأنف بالثمن حولا ولكنه لا يقول بقول مالك في ذلك ولا يقول غيره من أئمة الفقهاء وسائر السلف الذين ذكرنا أقوالهم في إيجاب الزكاة في العروض المشتراة للتجارة ويحتج بما لا حجة فيه عنده ولا عند غيره مغالطة وقد حكينا عن مالك أنه قال في ذلك بقول الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم وبالله التوفيق واحتج أيضا داود وبعض أصحابه في هذه المسألة ببراءة الذمة وأنه لا ينبغي أن يجب فيها شيء لمسكين ولا غيره إلا بنص كتاب أو سنة أو إجماع وزعم أنها مسألة خلاف قال أبو عمر احتجاج أهل الظاهر في هذه المسألة ببراءة الذمة عجب عجيب لأن ذلك نقض لأصولهم ورد لقولهم وكسر للمعنى الذي بنوا عليه مذهبهم في القول بظاهر الكتاب والسنة لأن الله عز وجل قال في كتابه ‏(‏خذ من أموالهم صدقة‏)‏ ‏[‏التوبة 103‏]‏‏.‏

ولم يخص مالا من مال وظاهر هذا القول يوجب على أصوله أن تؤخر الزكاة من كل مال إلا ما أجمعت الأمة أنه لا زكاة فيه من الأموال ولا إجماع في إسقاط الزكاة عن عروض التجارة بل القول في إيجاب الزكاة فيها إجماع من الجمهور الذين لا يجوز الغلط عليهم ولا الخروج عن جماعتهم لأنه مستحيل أن يجوز الغلط في التأويل على جميعهم‏.‏

وأما السنة التي زعم أنها خصت ظاهر الكتاب وأخرجته عن عمومه فلا دليل له فيما ادعى من ذلك لأن أهل العلم قد أجمعوا أنه لا سنة في ذلك إلا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة وحديث علي ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فالواجب على أصل أهل الظاهر - أن تكون الزكاة تؤخذ من كل مال ما عدا الرقيق والخيل لأنهم لا يقيسون على الخيل والرقيق ما كان في معناهما من العروض ولا إجماع في إسقاط الصدقة عن العروض المبتاعة للتجارة بل القول في إيجاب الزكاة فيه نوع من الإجماع وفي هذا كله وما كان مثله أوضح الدلائل على تناقضهم فيما قالوه ونقضهم لما أصلوه وبالله التوفيق قال أبو عمر من الحجة في إيجاب الصدقة في عروض التجارة مع ما تقدم من عمل العمرين ‏(‏رضي الله عنهما‏)‏ حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره أبو داود وغيره بالإسناد الحسن عن سمرة وقد ذكرناه في التمهيد عن سمرة أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع وروى الشافعي وغيره عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس أن أباه حماسا قال مررت على عمر بن الخطاب وعلى عاتقي أدمة أحملها فقال لي ألا تؤدي زكاتها يا حماس فقلت يا أمير المؤمنين ما لي غير هذه وآهبة من القرظ فقال ذلك مال فضع فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدها قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن حماس عن أبيه قال مر علي عمر فقال أد زكاة مالك فقلت مالي مال أزكيه إلا في الجعاب والأدم فقال قومه وأد زكاته فهذا الحديث عن عمر من رواية أهل الحجاز وقد تقدم في هذا الباب من رواية أهل العراق حديث أنس بن سيرين عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب بمثل ذلك فلا مقال لأحد في إسناد حديث أنس هذا وروى أبو الزناد وغيره عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يقول كل مال أو رقيق أو دواب أدير للتجارة فيه الزكاة وقال أبو جعفر الطحاوي قد ثبت عن عمر وبن عمر زكاة عروض التجارة ولا مخالف لهما من الصحابة ‏(‏رضوان الله عليهم‏)‏ قال أبو عمر هذا يشهد لما وصفنا أن قول بن عباس لا زكاة في العروض إنما هو في عروض القنية كقول سائر العلماء‏.‏

وأما ما ذكره عن عطاء وعمرو بن دينار فقد أخطأ عليهما وليس ذلك بمعروف عنهما والمعروف عنهما خلاف ما يوافق مذهب مالك في ذلك ذكر عبد الرزاق عن معمر عن بن طاوس وعن معمر عن جابر عن الشعبي وعن بن جريج عن عطاء أنهم قالوا في العرض للتجارة لا زكاة فيه حتى يبيعه فإذا باعه زكاه وأدى زكاة واحدة قال بن جريج وقال عطاء لا زكاة في عرض لا يدار قال والذهب والفضة يزكيان وإن لم يدارا قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال بقول الشعبي وعطاء في غير المدير إلا مالكا ‏(‏رحمه الله‏)‏‏.‏

وأما طاوس فقد اختلف عنه في ذلك فروي عنه ما ذكرنا وروي عنه إيجاب الزكاة في عروض التجارة كل عام بالتقويم كسائر العلماء وممن قد روينا ذلك عنه من السلف إذ قد ذكرنا من قاله من أئمة الفتيا بالأمصار سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وسائر الفقهاء السبعة والحسن البصري وإبراهيم النخعي وطاوس اليماني وجابر بن زيد وميمون بن مهران هؤلاء أئمة التابعين في أمصار المسلمين وسبيلهم سلك جمهور الفقهاء من أهل الرأي والحديث بالعراق والحجاز والشام أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني بن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر أنه كان يقول في كل مال يدار في عبيد أو دواب أو طعام الزكاة كل عام قال أبو عمر ما كان بن عمر ليقول مثل هذا من رأيه لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي والله أعلم ولولا أن ذلك عنده سنة مسنونة ما قاله وبالله التوفيق‏.‏

باب ما جاء في الكنز

55- مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو فقال هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة قال أبو عمر سؤال السائل لعبد الله بن عمر عن الكنز ما هو إنما كان سؤالا عن معنى قول الله تعالى ‏(‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون‏)‏ ‏[‏التوبة 34‏]‏‏.‏

35 وكان أبو ذر يقول بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في الظهور وروى الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن بن مسعود قال والذي لا إله غيره لا يعذب رجل يكنز فيمس دينار دينار ولا درهم درهم ولكنه يوسع جلده حتى يصل إليه كل دينار ودرهم على حدته واختلف العلماء في الكنز المذكور في هذه الآية ومعناه فجمهورهم على ما قاله بن عمر وعليه جماعة فقهاء الأمصار واما الكنوز في كلام العرب فهو المال المجتمع المخزون فوق الأرض كان أو تحتها هذا معنى ما ذكره صاحب العين وغيره ولكن الاسم الشرعي قاض على الاسم اللغوي ولا أعلم مخالفا فيما فسر به بن عمر الكنز المذكور إلا شيء يروى عن علي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري والضحاك وذهب إليه قوم من أهل الزهد والسياحة والفضل ذهبوا إلى أن في الأموال حقوقا سوى الزكاة وتأولوا في ذلك قول الله عز وجل ‏(‏والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم‏)‏ ‏[‏المعارج 24‏]‏‏.‏

ورووا بمعنى ما ذهبوا إليه آثارا مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم معناها عند جمهور العلماء في الزكاة واحتجوا بقول الله عز وجل ‏(‏وآت ذا القربى حقه والمسكين وبن السبيل‏)‏ ‏[‏الإسراء 26‏]‏‏.‏

فأما أبو ذر فروي عنه في ذلك آثار كثيرة في بعضها شدة كلها تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز وأن آية الوعيد نزلت في ذلك وروي عنه ما يدل على أن ذلك في منع الزكاة وكان يقول الأكثرون هم الأخسرون يوم القيامة ويل لأصحاب المئين وقد روي هذا عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي أحاديث مشهورة تركت ذكرها لذلك ولأن جمهور العلماء على خلاف تأويل أبي ذر لها وكان الضحاك بن مزاحم يقول من ملك عشرة آلاف درهم فهو من الأكثرين الأخسرين إلا من قال بالمال هكذا وهكذا بصلة الرحم ورفد الجار والضعيف ونحو ذلك من جهة الصدقة والصلة وكان مسروق يقول في قول الله عز وجل ‏(‏سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة‏)‏ آل عمران 180 قال الرجل يرزقه الله المال فيمنع قرابته الحق الذي فيه فيجعل حية يطوقها فيقول مالي ولك فتقول الحية أنا مالك وهذا ظاهرة غير الزكاة وقد يحتمل أن تكون الزكاة وقد روي عن بن مسعود مثله إلا أنه قال من كان له مال لا يؤدي زكاته طوقه يوم القيامة شجاعا أقرع ينقر رأسه ثم قرأ ‏(‏سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة‏)‏ آل عمران 180‏.‏

وأما عن التركة فروى الثوري وغيره عن أبي حصين عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن جعدة بن هبيرة عن علي قال أربعة آلاف نفقة فما كان فوق أربعة آلاف فهو كنز قال أبو عمر وسائر العلماء من السلف والخلف على ما قاله بن عمر في الكنز روى بكير ويعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بشر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ أمر رجلا له مال عظيم أن يدفنه فقال له الرجل يا أمير المؤمنين أليس بكنز إذا دفنته فقال عمر ليس بكنز إذا أديت زكاته وروى معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال إذا أديت صدقة مالك فليس بكنز وإن كان مدفونا ولم يؤدها فهو كنز وإن كان ظاهرا وروى الثوري وغيره عن عبد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أراضين وما كان ظاهرا لا تؤدى زكاته فهو كنز وروى بن جريج قال أخبرني بن الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول إذا أخرجت صدقة كنزك فقد أذهبت شره وليس بشر وعن بن مسعود نحوه وروى وكيع عن شريك عن أبي إسحاق عن عكرمة عن بن عباس قال كل ما أديت زكاته فليس بكنز قال أبو عمر يشهد بصحة ما قال هؤلاء ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا عتاب عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت يا رسول الله أكنز هو قال ما بلغ أن تؤدى زكانة فليس بكنز وقد روى محمد بن مهاجر عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ورواه ليث بن أبي سليمان عن عطاء فلم يذكر فيه الكنز وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال فإنه يشهد بصحته ما قدمنا ذكره ورواه عبد الله بن وهب قال حدثنا عمر بن الحارث عن دراج أبي السمح عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك وحديث الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فرض الصلاة وفرض الزكاة فلما أخبره بها قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع رواه مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله ورواه بن عباس وأنس بن مالك من طرق صحاح قد ذكرتها في التمهيد بأتم ألفاظ وأكمل معاني وفي حديث بن عباس فقال له الأعرابي والذي بعثك بالحق لا أدع منهن شيئا ولا أجاوزهن ثم ولى فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن صدق الأعرابي دخل الجنة والصحابي المذكور في هذا الحديث هو ضمام بن ثعلبة السعدي وقد ذكرناه في الصحابة بما ينبغي من ذكره وفي هذا كله دليل على أن المال ليس فيه حق واجب سوى الزكاة وأنه إذا أديت زكاته فليس بكنز حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا عفان قال حدثنا أبان العطار وهمام عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من فارق منه الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة الكنز والغلول والذنب قال أبو عمر الأحاديث المروية في الذين يكنزون الذهب والفضة منسوخة بقوله عز وجل ‏(‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏)‏ ‏[‏التوبة 103‏]‏‏.‏

قال ذلك جماعة من العلماء بتأويل القرآن منهم أبو عمر حفص بن عمر الضرير وغيره وروى بن وهب قال أخبرني بن أنعم عن عمارة بن مسلم الكناني أنه سمع عمر بن عبد العزيز وعراك بن مالك يقولان من أعطى زكاة ماله فليس بكنز قالا نسخت آية الصدقة ما قبلها وروى الثوري عن بن أنعم عن عمارة بن راشد قال قرأ عمر بن عبد العزيز ‏(‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله‏)‏ ‏[‏التوبة 34‏]‏‏.‏

فقال عمر ما أراها إلا منسوخة نسختها ‏(‏خذ من أموالهم صدقة‏)‏ التوبة 103‏.‏

552- مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه كان يقول من كان عنده مال لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطلبه حتى يمكنه يقول أنا كنزك قال أبو عمر هكذا هذا الحديث موقوفا عند جماعة في الموطأ من قول أبي هريرة وقد رواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ذكره البخاري وغيره هكذا وقد رويناه في التمهيد من طرق شتى وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا بكير بن الحسن ومحمد بن أحمد بن المسور قالا حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان فيلزمه - أو قال يطوق به - يقول أنا كنزك ذكره النسائي هكذا من حديث عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم والمحفوظ فيه حديث أبي هريرة مرفوعا وموقوفا وحديث عبد العزيز الماجشون عندي فيه خطأ في الإسناد لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن بن عمر ما رواه عن أبي صالح عن أبي هريرة أبدا فرواية مالك وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار فيه هي الصحيحة وإن كان مالك وقفه فلا وجه لوقفه لأن مثله لا يكون رأيا وهو مرفوع صحيح على ما خرجه البخاري والله أعلم حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا بشير بن حجر قال حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله صفائح من نار فيحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مرت عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطأه بأخفافها كلما مرت عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وذكر تمام الحديث حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل وأبو يحيى بن أبي مسرة فقيه مكة قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له شجاعا أقرع يطوقه يوم القيامة ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله ‏(‏ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة‏)‏ آل عمران 180 حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يعلى بن عبيد عن عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الأظلاف بأظلافها وتنطحه ذات القرن بقرنها وليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن قالوا يا رسول الله وما حقها قال إطراق فحلها وإعارضه دلوها ومنيحتها وحلبها على الماء والحمل عليها في سبيل الله وروى شعبة عن قتادة عن أبي عمر الغداني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فقيل لأبي هريرة وما حق الإبل قال تعطي الكريمة وتمنح الغزيرة وتفقر الظهر وتطرق الفحل وتسقي اللبن قال أبو عمر قد مضى القول في معنى مثل هذا الحديث أنه على الندب والإرشاد إلى الفضل أو تكون قبل نزول فرض الزكاة ونسخ بفرض الزكاة لما ذكرنا من الدلائل وإذا كان قبل نزول فرض الزكاة ونسخ بها كما نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان عاد كله فضلا وفضيلة بعد أن كان فريضة والله أعلم وهذا المعنى هو الذي خفي على من ذهب إلى ما ذهب إليه من أوجب في المال حقوقا سوى الزكاة من إيجاب إطعام الجائع وفك العاني والمواساة في حين المسغبة والعسرة وصلة الرحم والعطف على الجار ونحو هذا مما قد تقدم ذكره ولم ير لأحد حبس فوق ما يكفيه كأبي ذر ومن تابعه ممن جعل ما فضل على القوت كنزا على أن أبا ذر أكثر ما تواتر عنه في الأخبار الإنكار على من أخذ المال من السلاطين لنفسه ومنع منه أهله فهذا ما لا خلاف عنه في إنكاره‏.‏

وأما إيجاب غير الزكاة فمختلف عنه فيه وروي عن بن مسعود أنه قال من كسب كسبا طيبا خبثه منع الزكاة ومن كسب كسبا خبيثا لم تطيبه الزكاة‏.‏

وأما قوله في حديث مالك وغيره شجاعا أقرع فالشجاع الحية وقيل الثعبان وقيل الشجاع من الحيات الذي يواثب الفارس والراجل فيقوم على ذنبه وربما بلغ وجه الفارس يكون في الصحارى قال الشماخ أو البعيث‏:‏

فأطرق إطراق الشجاع وقد جرى *** على حد نابيه الزعاف المسمم

وقال المتلمس‏:‏

فاطرق إطراق الشجاع ولو يرى *** مساغا لنابيه الشجاع لصمم

والزبيبتان نقطتان مسلحتان في شدقيه كالرغوتين يقال إنهما تبدوان حين يفح ويغضب وقيل نقطتان سوداوان على عينيه وهي علامة الحية الذكر المؤذي وقيل الزبيبتان نابان له وقيل نكتتان على شفتيه والأول أوثق وأكثر والأقرع ‏(‏من صفات الحيات‏)‏ هو الذي برأسه بياض وقيل كلما كثر سمه ابيض رأسه‏.‏

باب صدقة الماشية

553- مالك أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب في الصدقة قال فوجدت فيه بسم الله الرحمن الرحيم ‏(‏كتاب الصدقة‏)‏ في أربع وعشرين من الإبل فدونها الغنم في كل خمس شاة وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين ابنة مخاض فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين بنت لبون وفيما فوق ذلك إلى ستين حقة طروقة الفحل وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة وفيما فوق ذلك إلى تسعين ابنتا لبون وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الفحل فما زاد على ذلك من الإبل ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان وفيما فوق ذلك إلى ثلاثمائة ثلاث شياه فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة ولا يخرج في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار إلا ما شاء المصدق ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وفي الرقة إذا بلغت خمس أواق ربع العشر قال أبو عمر كتاب عمر هذا عند العلماء معروف مشهور في المدينة محفوظ وكل ما فيه من المعاني متفق عليها لا خلاف بين العلماء في شيء منها إلا أن في الغنم شيئا من الخلاف نذكره إن شاء الله وكذلك نذكر الخلاف على الإبل فيما زاد على عشرين ومائة إلا أن تبلغ ثلاثين ومائة إن شاء الله وقد روى سفيان بن حسين عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقات فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض وعمل به أبو بكر حتى قبض ثم عمر حتى قبض فكان في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس ذود شاة وذكر معنى ما ذكره مالك من كتاب عمر سواء وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وروى بن المبارك وغيره عن يونس عن بن شهاب قال أخرج إلي سالم وعبيد الله ابنا عبد الله بن عمر نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة قال بن شهاب أقرأنيها سالم فوعيتها على وجهها وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبيد بن عبد الله بن عمر حين أمر على المدينة وأمر عماله بالعمل بها ولم يزل العلماء يعملون بها قال وهذا كتاب تفسيرها لا يؤخذ في شيء من الإبل صدقة حتى تبلغ خمس ذود فإذا بلغت خمسا ففيها شاة حتى تبلغ عشرا فإذا بلغت عشرة ففيها شاتان حتى تبلغ خمس عشرة فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه حتى تبلغ عشرين فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه حتى تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغت خمسا وعشرين كان فيها فريضة والفريضة ابنة مخاض فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر حتى تبلغ خمسا وثلاثين فإذا كانت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون حتى تبلغ خمسا وأربعين فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة حتى تبلغ ستين فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة حتى تبلغ خمسا وسبعين فإذا كانت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون حتى تبلغ تسعين فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان حين تبلغ عشرين ومائة فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها ابنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وثلاثين فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وابنة لبون حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعا وستين ومائة فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السن وجدت أخذت قال أبو عمر ليس بين أهل العلم بالحجاز اختلاف في شيء مما ذكره مالك في زكاة الإبل إلا في قول بن شهاب في روايته لكتاب عمر فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون فهذا موضع اختلاف بين العلماء وسائره إجماع‏.‏

وأما اختلافهم في ذلك فإن مالكا قال إذا زادت الإبل على عشرين ومائة واحدة فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وإن شاء أخذ حقتين قال بن القاسم وقال بن شهاب إذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلاثين ومائة تكون فيها حقة وابنتا لبون قال بن القاسم اتفق مالك وبن شهاب في هذا واختلفا فيما بين إحدى وعشرين ومائة إلى تسع وعشرين ومائة قال بن القاسم ورأى علي قول بن شهاب وذكر بن حبيب أن عبد العزيز بن أبي سلمة وعبد العزيز بن أبي حازم وبن دينار كانوا يقولون بقول مالك أن الساعي مخير إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها حقتان ‏(‏أو ثلاث بنات لبون وذكر أن المغيرة المخزومي كان يقول إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها حقتان لا غير إلى ‏)‏ ثلاثين ومائة قال وليس الساعي في ذلك مخيرا قال وأخذ عبد الملك بن الماجشون بقول المغيرة هذا قال أبو عمر وهو قول محمد بن إسحاق وبه قال أبو عبيد أنه ليس في الزيادة شيء على حقتين حتى يبلغ ثلاثين ومائة قال أبو عمر إذا بلغت ثلاثين ومائة ففيها حقة وابنتا لبون بإجماع من علمائنا الحجازيين والكوفيين وإنما الاختلاف بين العلماء فيما وصفت لك لأن الأصل في فرائض الإبل المجتمع عليها في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون فلما احتملت الزيادة على عشرين ومائة الوجهين جميعا وقع الاختلاف كما رأيت لاحتمال الأصل له‏.‏

وقال الشافعي والأوزاعي إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون كقول بن شهاب وهذا أولى عند العلماء وهو قول أئمة أهل الحجاز وبه قال إسحاق وأبو ثور‏.‏

وأما قول الكوفيين فإن أبا حنيفة وأصحابه والثوري قالوا إذا زادت الإبل على عشرين ومائة استقبلت الفريضة ومعنى استقبال الفريضة عندهم أن يكون في كل خمس ذود شاة وهذا قول إبراهيم النخعي قال سفيان إذا زادت على عشرين ومائة ترد الفرائض إلى أولها فإن كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة وفي كل ستين جذعة وفي قول أبي حنيفة وأصحابه مثل هذا وتفسير ذلك أن ما زاد على العشرين ومائة فليس فيها إلا الحقتان حتى تصير خمسا وعشرين فيكون في العشرين ومائة حقتان وفي الخمس شاة وذلك فرض الثلاثين ومائة فإذا بلغتها ففيها حقتان وشاتان الحقتان للعشرين ومائة وشاتان ثم ذلك فرضها إلى خمس وثلاثين ومائة فيكون فيها حقتان وثلاث شياه إلى أربعين ومائة فإذا بلغتها ففيها حقتان وأربع شياه إلى خمس وأربعين ومائة فإذا بلغتها ففيها حقتان وابنة مخاض إلى خمسين ومائة فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق فإذا زادت على الخمسين ومائة استقبل بها الفريضة كما استقبل بها إذا زادت على العشرين ومائة إلى مائتين فيكون فيها أربعة حقاق فإذا زادت على مائتين استقبل بها أيضا ثم كذلك أبدا وروى الثوري والكوفيون قولهم عن إبراهيم عن علي وبن مسعود ولهم في ذلك من جهة القياس ما لم أر لذكره وجها‏.‏

وأما قوله في حديث عمر وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان فهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيء روي عن معاذ بن جبل من رواية الشعبي عنه وهي منقطعة لم يقل بها أحد من فقهاء الأمصار والذي عليه فقهاء الأمصار أن في مائتي شاة وشاة ثلاث شياه وكذلك في ثلاث مائة وما زاد عليها حتى تبلغ أربع مائة ففيها أربع شياه وممن قال بهذا مالك بن أنس والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وهو قول الثوري والأوزاعي وسائر أهل الأثر وقال الحسن بن صالح بن حي إذا كانت الغنم ثلاث مائة شاة وشاة ففيها خمس شياه وروى الحسن بن صالح قوله هذا عن منصور عن إبراهيم قال أبو عمر أما الآثار المرفوعة في كتاب الصدقات فعلى ما قاله جماعة فقهاء الأمصار لا على ما قاله النخعي والحسن بن صالح والسائمة من الغنم وسائر الماشية هي الراعية ولا خلاف في وجوب الزكاة فيها واختلف العلماء في الإبل العوامل والبقر العوامل والكباش المعلوفة فرأى مالك والليث أن فيها الزكاة لأنها سائمة في طبعها وخلفها وسواء رعت أو أمسكت عن الرعي وقال سائر فقهاء الأمصار وأهل الحديث لا زكاة في الإبل ولا في البقر العوامل ولا في شيء من الماشية التي ليست بمهلة وإنما هي سائمة راعية ويروى هذا القول عن علي وجابر وطائفة من الصحابة لا مخالف لهم منهم وعلى قول هؤلاء من له أربعة من الإبل سائمة وواحد عامل وتسع وعشرون من البقر راعية وواحدة عاملة أو تسع وعشرون شاة راعية وكبش معلوف في داره لم يجب عليه زكاة‏.‏

وأما قوله ولا يخرج في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار إلا ما شاء المصدق يعني مجتهدا فعليه جماعة فقهاء الأمصار لأن المأخوذ في الصدقات العدل كما قال عمر عدل بين هذا المال وخياره لا الزائد ولا الناقص ففي التيس زيادة وفي الهرمة وذات العوار نقصان‏.‏

وأما قوله إلا أن يشاء المصدق فمعناه أن تكون الهرمة وذات العوار خيرا للمساكين من التي أخرج صاحب الغنم إليه فيأخذ ذلك باجتهاده وقد روي في الحديث المرفوع لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق كما جاء في كتاب عمر وروي ذلك أيضا عن علي وبن مسعود واختلف العلماء في العمياء وذات العيب هل تعد على صاحبها فقال مالك والشافعي تعد العجفاء والعمياء والعرجاء ولا تؤخذ وروى أسد بن الفرات عن أسد بن عمر عن أبي حنيفة أنه لا يعتد بالعمياء كما لا تؤخذ ولم تأت هذه الرواية عن أبي حنيفة من غير هذا الوجه وسيأتي اختلافهم في العد على رب الماشية في السخل وما كان مثله في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله والتيس عند العرب كلما يبدو عن الغنم من ذكور الضأن أو من المعز لأن الغنم الضأن والمعز والهرمة الشاة الشارف وذات العوار ‏(‏بفتح العين‏)‏ العيب و‏(‏بضمها‏)‏ ذهاب العين وقد قيل في ذلك بالضد وأجمعوا أن العوراء لا تؤخذ في الصدقة إذا كان بينا وكذلك كل عيب ينقص من ثمنها نقصانا بينا إذا كانت الغنم صحاحا كلها أو أكثرها فإن كان كلها عوراء أو شوارف أو جرباء أو عجفاء أو فيها من العيوب ما لا يجوز معه في الضحايا فقد قيل ليس على ربها إلا أن يعطي صدقتها منها وليس عليه أن يأتي المصدق بسائمة من العيوب صحيحة إذا لم يكن في غنمه وقيل عليه أن يأتي المصدق بجذعة أو ثنية تجوز ضحية وعلى هذين القولين اختلاف أصحاب مالك وغيرهم من فقهاء الأمصار وسيأتي القول إن شاء الله مستوعبا في هذا المعنى عند ذكر قول عمر ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ لا تأخذ الربى ولا الماخض ولا الأكولة ولا فحل الغنم وتأخذ الجذعة والثنية‏.‏

وأما قوله ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع فقد فسر مالك مذهبه في موطئه فقال مالك في باب صدقة الخلطاء وتفسير قوله لا يجمع بين مفترق أن يكون النفر الثلاثة الذين يكون لكل واحد منهم أربعون شاة قد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقة فإذا أظلهم المصدق جمعوها لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة فنهي عن ذلك وتفسير قوله ولا يفرق بين مجتمع أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة فنهي عن ذلك فقيل لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة قال مالك فهذا الذي سمعت في ذلك قال مالك وقال عمر بن الخطاب لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة أنه إنما يعني بذلك أصحاب المواشي لم يذكر يحيى هذه الكلمة ها هنا في الموطأ وهي عنده في باب صدقة الخلطاء من الموطأ وذكرها غيره من رواة الموطأ وهذا مذهب مالك عند جماعة أصحابه وقال الأوزاعي معنى قوله عليه السلام لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع هو افتراق الخلطاء عند قدوم المصدق يريدون به بخس الصدقة فهذا لا يصلح وقد يراد به الساعي يجمع بين مفترق ليأخذ منه الأكثر مما عليهم اعتداء فأما التفريق بين الخلطاء فالنفر الثلاثة أو أقل أو أكثر من ذلك يكون لكل رجل منهم أربعون شاة فإنما فيها شاة فلا ينبغي للمصدق أن يفرق حتى يأخذ منهم ثلاث شياه ولا يجمع بين مفترق ولا ينبغي للقوم يكون للواحد منهم أربعون شاة على حسبه فإذا جاء المصدق جمعوها ليبخسوه وقال سفيان الثوري التفريق بين المجتمع أن يكون لكل رجل شاة فيفرقها عشرين عشرين لئلا يؤخذ من هذه شيء ولا من هذه شيء وقوله لا يجمع بين مفترق أن يكون لرجل أربعون شاة وللآخر خمسون يجمعانها لئلا يؤخذ منها شاة قال أبو عمر ذهب الثوري أيضا إلى أن المخاطب أرباب المواشي‏.‏

وقال الشافعي لا يفرق بين ثلاثة نفر خلطاء في عشرين ومائة شاة حسبه إذا جمعت بينهم أن يكون فيها شاة لأنها إذا فرقت ففيها ثلاث شياه ولا يجمع بين مفترق رجل له مائة شاة وشاة وآخر له مائة شاة وشاة فإذا تركا على افتراقهما كان فيهما شاتان وإذا جمعتا كان فيها ثلاث شياه ورجلان لهما أربعون شاة فإذا فرقت فلا شيء فيها وإذا جمعت ففيها شاة والخشية خشية الساعي أن تقل الصدقة وخشية رب المال أن تكثر الصدقة وليس واحد منهما أولى باسم الخشية من الآخر فأمر أن يقر كل على حاله إن كان مجتمعا صدق مجتمعا وإن كان مفترقا صدق مفترقا‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه معنى قوله عليه السلام لا يفرق بين مجتمع أن يكون للرجل مائة وعشرون شاة ففيها شاة واحدة فإن فرقها المصدق أربعين أربعين ففيها ثلاث شياه ومعنى قوله لا يجمع بين مفترق أن يكون للرجلين أربعين شاة فإن جمعها صارت فيها شاة ولو فرقها عشرين عشرين لم يكن فيها شيء قالوا ولو كانا شريكين متعارضين لم يجمع بين أغنامهما وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف إذا قيل في الحديث خشية الصدقة هو أن يكون للرجل ثمانون شاة فإذا جاء المصدق قال هو بيني وبين إخوتي لكل واحد منهما عشرون أو يكون له أربعون شاة فيأخذ من إخوته أربعون أربعون فيقول هذه كلها لي فليس فيها إلا شاة واحدة فهذه خشية الصدقة لأن الذي يؤخذ منه يخشى الصدقة‏.‏

وأما إذا لم يقل فيه خشية الصدقة فقد يكون على هذا الوجه وقد يكون على وجه أن يكون يجيء المصدق إلى إخوة ثلاثة ولو أخذ منهم عشرون ومائة شاة فيقول هذه بينكم لكل واحد أربعون أو يكون لهم أربعون فيقول المصدق هذه لواحد منكم قال أبو عمر إنما حمل الكوفيون أبا يوسف وأصحابه على هذا التأويل في معنى الحديث لأنهم لا يقولون إن الخلطة تغير الصدقة وإنما يصدق الخلطاء عندهم صدقة الجماعة وعند غيرهم من العلماء يصدقون صدقة المالك الواحد وسيأتي بيان ذلك في باب صدقة الخلطاء إن شاء الله وما تأولوه في الحديث لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع يرتفع معه فائدة الحديث وللحجة عليهم موضع غير هذا يأتي في باب الخلطاء‏.‏

وقال أبو ثور قوله ‏(‏عليه السلام‏)‏ لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع على رب المال والساعي وذلك أن الساعي إذا جاؤوا لرجل عشرون ومائة شاة ففرقها على أربعين أربعين أخذ منه ثلاث شياه ولا يحل للساعي ذلك ولا يحل للساعي أن يجيء إلى قوم لكل واحد منهم عشرون شاة أو ثلاثون فيجمع بينهم ثم يزكيها وكذلك أصحاب المواشي إذا كان لرجل أربعون شاة فكان فيها الزكاة فإذا جاء المصدق فرقها على نفسين أو ثلاثة لئلا يؤخذ منه شيء أو يكون لثلاثة أربعون أربعون شاة فإذا جاء المصدق جمعوها وصيروها لواحد فتأخذ منها شاة فهذا لا يحل لرب الماشية ولا للمصدق‏.‏

وأما قوله في حديث عمر وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية فسنذكر وجه التراجع بين الخليطين إذا أخذت الشاة من غنم أحدهما في باب صدقة الخلطاء‏.‏

وأما قوله وفي الرقة إذا بلغت خمس أواق ربع العشر فقد تقدم القول في زكاة المال في زكاة الذهب والفضة ومبلغ النصاب فيها والرقة عند جماعة العلماء هي الفضة وقد تقدم قولنا في المضروب منها والنفر والمسبوك ومضى القول في الحلي في باب زكاة الحلي والحمد لله‏.‏

باب ما جاء في صدقة البقر

554- مالك عن حميد بن قيس المكي عن طاوس اليماني أن معاذ بن جبل الأنصاري أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة وأتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا حتى ألقاه فأسأله فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ بن جبل قال أبو عمر ظاهر هذا الحديث الوقوف على معاذ بن جبل من قوله إلا أن في قوله أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيما دون الثلاثين والأربعين من البقر شيئا دليلا واضحا على انه قد سمع منه عليه السلام في الثلاثين وفي الأربعين ما عمل به في ذلك مع أن مثله لا يكون رأيا إنما هو توقيف ممن أمر بأخذ الزكاة من الذين يطهرهم ويزكيهم بها صلى الله عليه وسلم ولا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر ما في حديث معاذ هذا وأنه النصاب المجتمع عليه فيها وحديث طاوس هذا عندهم عن معاذ غير متصل والحديث عن معاذ ثابت متصل من رواية معمر والثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بمعنى حديث مالك وروى معمر والثوري أيضا عن إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي وفي البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولين وفي كل أربعين مسنة وكذلك في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وكذلك في كتاب الصدقات لأبي بكر وعمر وعلي ‏(‏رضي الله عنهم‏)‏ وعلى ذلك مضى جماعة الخلفاء ولم يختلف في ذلك العلماء ألا شيء روي عن سعيد بن المسيب وأبي قلابة والزهري وعمر بن عبد الرحمن بن أبي خلدة المزني وقتادة ولا يلتفت إليه لخلاف الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام له وذلك لما قدمنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجمهور العلماء وهو يرد قولهم لأنهم يرون في كل خمس من البقر شاة إلى ثلاثين واعتلوا بحديث لا أصل له وهو حديث حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن حزم ذكره بإسناده أنه في كتاب عمرو بن حزم واختلف العلماء في هذا الباب فيما زاد على الأربعين فذهب مالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وجماعة أهل الفقه من أهل الرأي والحديث إلى أن لا شيء فيما زاد على الأربعين من البقر حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان إلى سبعين فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة إلى ثمانين فيكون فيها مسنتان إلى تسعين فيكون فيها ثلاث تبائع إلى مائة فيكون فيها تبيعان ومسنة ثم هكذا أبدا في ثلاثين تبيعا وفي كل أربعين مسنة وبهذا أيضا كله قال بن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن‏.‏

وقال أبو حنيفة ما زاد على الأربعين من البقر فبحساب ذلك وتفسير ذلك في مذهبه في خمس وأربعين مسنة ومن وفي خمسين مسنة وربع وعلى هذا كل ما زاد قل أو كثر هذه الرواية المشهورة عن أبي حنيفة وقد روى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة مثل أبي يوسف ومحمد والشافعي وسائر الفقهاء وكان إبراهيم النخعي يقول من ثلاثين بقرة تبيعا وفي أربعين مسنة وفي خمسين مسنة وربع وفي ستين تبيعان وكان الحكم وحماد يقولان إذا بلغت خمسين فبحساب ما زاد قال أبو عمر لا قول في هذا الباب إلا ما قاله مالك ومن تابعه وهم الجمهور الذين بهم تجب الحجة على من خالفهم وشذ عنهم إلى ما فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما تقدم في هذا الباب ذكره وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن طاوسا أخبره أن معاذا قال لست آخذ من أوقاص البقر شيئا حتى آتي رسول صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرني فيها بشيء قال بن جريج وقال عمرو بن شعيب إن معاذ بن جبل لم يزل بالجند منذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه قال أبو عمر الجند من اليمن هو بلد طاوس وتوفي طاوس سنة ست ومائة وتوفي معاذ في طاعون عمواس وكان سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة قال مالك أحسن ما سمعت فيمن كانت له غنم على راعيين مفترقين أو على رعاء مفترقين في بلدان شتى أن ذلك يجمع كله على صاحبه فيؤدي منه صدقته ومثل ذلك الرجل يكون له الذهب أو الورق متفرقة في أيدي ناس شتى إنه ينبغي له أن يجمعها فيخرج منها ما وجب عليه في ذلك من زكاتها قال أبو عمر قول مالك ‏(‏رحمه الله‏)‏ أحسن ما سمعت يدل على أنه قد سمع الخلاف في هذه المسألة والأصل عند العلماء مراعاة ملك الرجل للنصاب من الورق أو الذهب أو الماشية أو ما تخرجه الأرضد فإذا حصل في ملك الرجل نصاب كامل وأتى عليه حول فيما يراعى فيه الحول أو نصاب فيما تخرجه الأرض في ذلك الوقت لم يراع في ذلك افتراق المال إلا من جهة السعاة على ما نذكره عن الفقهاء بعد قال الشافعي إذا كان للرجل ببلد أربعون شاة وببلد غيره عشرون شاة دفع إلى كل واحد من المصدقين قيمة ما يجب عليه من شياه فقسمها بينهما ولا أحب أن يدفع في أحد البلدين شاة ويترك الأخرى لأني أحب أن تقسم صدقة المال حيث المال وهذا خلاف قول مالك لأنه يرى أن يجمع على رب المال صدقته في موضع واحد وهو على ما قدمت لك أن الخليفة لا يحل إلا أن يكون واحدا في المسلمين كلهم وعماله في الأقطار يسألون من مر بهم هل عندك من مال وجب فيه الزكاة وكذلك من قدم عليه السعاة قال الشافعي من أدى في أحد البلدين شاة كرهت له ذلك ولم أر عليه في البلد الأخرى إعادة نصف شاة وعلى صاحب البلد الآخر أن يصدقه في قوله ولا يأخذ منه فإن اتهمه أحلفه بالله قال وسواء كانت إحدى غنمه بالمشرق والأخرى بالمغرب في طاعة خليفة واحد أو طاعة والييين مفترقين إنما تجب عليه الصدقة بنفسه في ملكه لا بواليه قال ولو كانت بين رجلين أربعون شاة ولأحدهما في بلد آخر أربعون شاة فأخذ المصدق من الشريكين شاة فثلاثة أرباعها على صاحب الأربعين الغائبة وربعها على الذي له عشرون ولا غنم له غيرها لأني أضم كل مال الرجل إلى ماله حيث كان ثم آخذ صدقته وروي عن أبي يوسف أنه قال إذا كان العامل واحدا ضم بعض ذلك إلى بعض فإذا كان العاملان مختلفين أخذ كل واحد منهما ما في عمله وكذلك قال محمد بن الحسن قال مالك في الرجل يكون له الضأن والمعز أنها تجمع عليه في الصدقة لأنها غنم كلها وتؤخذ الصدقة من أكثرها عددا ضأنا كانت أو معزا كذلك الإبل العراب والبخت والبقر والجواميس - هذا معنى ما قاله مالك - فإن استوت فليأخذ من أيتهما شاء فإن كان في كل واحد منهما نصاب أخذ من كل واحد منهما صدقته قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء في أن الضأن والمعز يجمعان وكذلك الإبل كلها على اختلاف أصنافها إذا كانت سائمة والبقر والجواميس كذلك واختلفوا إذا كان بعض الجنس أرفع من بعض فقول مالك ما ذكرنا وقال الثوري إذا انتهى المصدق إلى الغنم صدع الغنم صدعين فأخذ صاحب الغنم خير الصدعين ثم يأخذ المصدق من الصدع الآخر‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا اختلفت الغنم أخذ المصدق من أي الأصناف شاء‏.‏

وقال الشافعي إذا كانت غنم الرجل بعضها أرفع من بعض أخذ المصدق من وسطها فإن كانت واحدة أخذ خير ما يجب له فإن لم يكن في الوسط السن التي وجبت قال لصاحب الغنم إن تطوعت بأعلى منها أخذتها منك وإن لم تطوع فعليك أن تأتي بشاة وسط قال وإن كانت الغنم ضأنا ومعزا واستوت في العدد أخذ من أيها شاء والقياس أن يأخذ من كل حصته قال مالك من أفاد ماشية من إبل أو بقر أو غنم فلا صدقة عليه فيها حتى يحول عليه الحول من يوم أفادها إلا أن يكون له قبلها نصاب إلى آخر كلامه في المسألة قال أبو عمر مذهبه في فائدة الماشية أنها لا تضم إلى نصاب وإن لم يكن نصاب أكمل بما استفاد النصاب واستأنف به حولا فإن كان له نصاب ماشية أربعين من الغنم فاستفاد إليها غنما زكى الفائدة بحول الأربعين ولو استفادها قبل مجيء الساعي بيوم أو قبل حلول الحول بيوم وكذلك كان له نصاب إبل أو نصاب بقر ثم استفاد إبلا ضمها إلى النصاب وكذلك البقر يزكي كل ذلك بحول النصاب وقول أبي حنيفة وأصحابه في ذلك نحو قول مالك‏.‏

وقال الشافعي لا يضم شيئا من الفوائد إلى غيره ويزكي كل مال لحوله إلا ما كان من نتاج الماشية فإنه يزكى مع أمهاته إذا كانت الأمهات نصابا ولو كانت ولادته قبل الحول بطرفة عين ولا يعتد بالسخال حتى تكون الأمهات أربعين ولو نتجت الأربعون قبل الحول أربعين بهيمة ثم ماتت وحال الحول على البنات أخذ منها زكاتها كما كان يؤخذ من الأمهات بحول الأمهات ولا يكلف أن يأتي بثنية ولا جذعة وإنما يكلف واحدة من الأربعين بهيمة وقول أبي ثور في ذلك كله كقول الشافعي قال مالك في الفريضة تجب على الرجل فلا توجد عنده أنها إن كانت ابنة مخاض فلم توجد أخذ مكانها بن لبون ذكر وإن كانت بنت لبون أو حقة أو جذعة ولم يكن عنده كان على رب الإبل أن يبتاعها له حتى يأتيه بها لا أحب أن يعطيه قيمتها‏.‏

وقال مالك إذا لم يجد السن التي تجب في المال لم يأخذ ما فوقها ولا ما دونها ولا يزداد دراهم ولا يردها ويبتاع له رب المال سنا يكون فيها وفاء حقه إلا أن يختار رب المال أن يعطيه شيئا فوق السن التي وجبت عليه ذكرها بن وهب في موطئه عن مالك وقال بن القاسم عن مالك إذا لم يجد فيها ابنة مخاض أو بن لبون ذكرا فرب المال يشتري للسائل بنت مخاض على ما أحب أو كره إلا أن يشاء رب الإبل أن يدفع منها ما هو خير من ابنة مخاض وليس للمصدق أن يرد ذلك وإن أراد رب المال أن يدفع بن لبون ذكرا إذا لم يوجد في المال بنت مخاض قال فذلك للساعي إن أراد أخذه وإلا ألزمه بنت مخاض وليس له أن يمتنع من ذلك وقال الثوري في أسنان الإبل التي فريضتها ابنة لبون إذا لم يجد المصدق السن التي وجبت له أخذ السن التي دونها وأخذ من رب المال شاتين أو عشرين درهما ولولا الأثر الذي جاء كان ما بين القيمتين أحب إلي‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا وجبت في الإبل صدقة فلم يوجد ذلك الواجب فيها ووجد بين أفضل منها أو دونها فإنه يأخذ قيمة التي وجبت عليه وإن شاء أخذ أفضل ورد عليه بالفضل قيمته دراهم وإن شاء أخذ دونها وأخذ بالفضل دراهم‏.‏

وقال الشافعي مثل ذلك قال وعلى المصدق إذا لم يجد السن التي وجبت ووجد السن التي هي أعلى منها أو أسفل منها فكذلك على رب المال أن يعطي الخير لهم ثم يعطيه أهل السهمان قال وإذا وجد العليا ولم يجد السفلى أو السفلى ولم يجد العليا فلا خيار له ويأخذ من التي وجد ليس له غير ذلك‏.‏

وقال أبو ثور مثل قول الشافعي إلا أنه قال ما لم يسن النبي صلى الله عليه وسلم فيها فهو قياس على ما سن فيه من رد الشاتين أو العشرين درهما أخذه من حديث أنس عن أبي بكر في الصدقة وهو أيضا مذكور في حديث عمرو بن حزم وغيره ولم يقل مالك بذلك لأنه ليس عنده في الزكاة إلا كتاب عمر وليس ذلك فيه فقال بما روى وذلك شأن العلماء وحديث عمرو بن حزم انفرد برفعه واتصاله سليمان بن داود عن الزهري وليس بحجة فيما انفرد به‏.‏

وقال مالك في الإبل النواضح والبقر السواني وبقر الحرث إني أرى أن يؤخذ من ذلك كله إذا وجبت فيه الصدقة قال أبو عمر وهذا قول الليث بن سعد ولا أعلم أحدا قال به من الفقهاء غيرهما وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي والأوزاعي وأبو ثور وداود وأحمد وإسحاق وأبو عبيد لا زكاة في البقر العوامل وإنما الزكاة في السائمة وروى قولهم عن طائفة من الصحابة منهم علي وجابر ومعاذ بن جبل وكتب عمر بن عبد العزيز أنه ليس في البقر العوامل صدقة وحجته قوله صلى الله عليه وسلم وفي كل إبل سائمة في كل أربعين بنت لبون من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وفي حديث أنس أن أبا بكر كتب له فرائض الصدقة وفيها سائمة الغنم إذا كانت أربعين شاة وحجة مالك الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله ليس فيما دون خمس ذود صدقة وأنه أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين مسنة ومن أربعين شاة شاة ولم يخص سائمة من غيرها وقال أصحابه إنما السائمة صفة لها كالاسم والماشية كلها سائمة ومن حال بينها وبين الرعي لم يمنعها ذلك أن تمى سائمة وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل‏.‏